/ الفَائِدَةُ : (86) /
26/03/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / تعدُّد الأَحْكَام التَّكوينيَّة باللِّحَاظِ الذِّهْنِي / إِنَّه قد يُعبَّر عن الأَحْكَام التَّكوينيَّة للجسمانيَّات بـ: (الأَحْكَام العقليَّة)، ومرادهم: الأَحْكَام التَّكوينيَّة الَّتي يُدْرِكها العقل. وهكذا قد يُعبَّر عن الأَحْكَام العقليَّة بـ: (الأَحْكَام التَّكوينيَّة)، ومرادهم أَيضاً: الأَحْكَام التَّكوينيَّة الَّتي يُدْرِكها العقل. إِذَنْ: سوآء عُبِّر عن هذه الأَحْكَام بـ: (الأَحْكَام العقليَّة) أَو بـ: (الأَحْكَام التَّكوينيَّة) فالمراد واحد. نعم هناك فارق بينهما باللِّحَاظ الذِّهْنِي؛ فإِنَّ تسميتها بالأَحْكَام العقليَّة وذلك صفة للحُكْم بلحاظ آلة الِإدْرَاك، وهو العقل، فهذا وصف لآليَّة إِدْرَاك الحُكْم، لا أَنَّه وصف لنفس الحُكْم، بخلاف تسميتها بالأَحْكَام التَّكوينيَّة؛ فإِنَّه وصف لنفس الحُكْم. وأَيضاً يُعبَّر عن الأَحْكَام التَّكوينيَّة بالأَحْكَام العقليَّة؛ لتمييز الأَحْكَام التَّكوينيَّة الَّتي يُدْرِكها العقل من دون واسطة عن الأَحْكَام التَّكوينيَّة الَّتي يُدْرِكها العقل أَيضاً؛ لكن بتوسُّط العلوم التَّجريبيَّة في العلوم الطَّبيعيَّة(1) ـ الفيزياء والكيمياء ـ فَيُدْرِكها العقل، لكن بتوسُّط الآليَّات التَّجريبيَّة. إِذَنْ: حقيقة أَحْكَام الفيزياء والكيمياء ليست أَحْكَاماً تجريبيَّة، وإِنَّما أَحْكَامٌ تكوينيَّة أَيضاً، لكنَّ العقل يُدْرِكها بتوسُّط التَّجربة، وتُسَمَّىٰ أَحكاماً تجريبيَّة بلحاظ آليَّة الإِثبات والإِحراز والِاكتشاف. إِذَنْ: هذا الوصف ـ كالأَحْكَام العقليَّة ـ وصف لآليَّة إِدْرَاك الحُكْم، لا أَنَّه وصف لحقيقة الحُكْم وذاته، وإِلَّا فالحُكْم في الثَّلاثة واحدٌ، وهو (الحُكْم التَّكويني). وبالجملة: الأَحْكَام التَّكوينيَّة قد يُعَبَّر عنها تارة بـ: (الأَحْكَام العقليَّة)، وأُخرىٰ بـ: (الأَحْكَام التَّكوينيَّة)، وثالثة بـ: (الأَحْكَام التَّجريبيَّة) والمراد واحدٌ. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ينبغي الاِلتفات في المقام إِلى الأُمور التَّالية: الأَوَّل: أَنَّ العلوم الطبيعيَّة ـ كعلم الفيزياء ـ مُؤثِّرة جِدّاً في علوم المعارف الإِلٰهيَّة، وتُروِّض الباحث فيه بشكل أَعظم، وهذا ما أَكَّدت عليه بيانات الوحي، منها: بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في توحيد المُفَضَّل؛ فإِنَّه عليه السلام بدأ في البحوث الطبيعيَّة ـ كتشريح بدن: الإِنسان، والحيوان، والنبات، ووظائف الأَعضاء ـ ليصل إِلى دفئ التَّدبير الملكوتي. ومعناه: أَنَّ الاِطِّلاع الثقافي على باب الطبيعيَّات والمُعَبَّر عنه حديثاً بـ: (العلوم التجريبيَّة) ـ والَّتي جرت سيرة الفلاسفة في أَبحاثهم وتصانيفهم من التَّعَرُّض إِليه ـ والاِطِّلاع على لباب علوم هذا الباب نافع جِدّاً. / نُكْتَة اِهْتِمَام أَصحاب المدارس المعرفيَّة البشريَّة بمباحث الطَّبيعيَّات / وبعبارة أُخرىٰ: قد تسأل عن سبب اِهتمام الفلاسفة والمتكلِّمين والعرفاء والصُّوفيَّة بمباحث الجسم والصُّورة وعوالم الجسمانيَّات، فمع أَنَّها القسم الأَصغر من عَالَم التَّكوين والخلقة والمخلوقات والوجود ـ وغيرها هو الأَعظم هولاً وتكويناً وقدرة وكمالاًـ، لكنَّهم خصَّصوا لها ـ تقريباً ـ ثلثي مباحث الأُمور العامَّة (الإِلٰهيَّات بالمعنىٰ الأَعم). والجواب: أَنَّ نُكْتَة ذلك الْاِهْتِمَام مراعاة لحال الإِنسان؛ فإِنَّ إِدراك المخلوق لِـمَا هو أَقرب إِليه يكون أَوضح لديه. ثُمَّ إِنَّ اتقان هذا المبحث بشكلٍ رياضيّ وهندسيٍّ ضروري جِدّاً. بعد الاِلتفات: أَنَّ ظاهره وإِنْ كان سهلاً لكنَّ في واقعه زوايا غامضة جِدّاً وصعبة المراس. فالتفت. إِذَنْ: الاِطِّلاع على نتائج البحوث الطبيعيَّة ومتابعتها، والاِطِّلاع والأُنس بالعلوم الطبيعيَّة اجمالاً مفيد ومؤثِّر في علوم المعارف الإِلٰهيَّة؛ لأَنَّها ـ العلوم الطبيعيَّة ـ فعل من أَفعال السَّاحة الإِلٰهيَّة المُقدَّسة. ثُمَّ إِنَّ الباحث حينما يتعرَّف على طبائع العلوم والطَّبائع المُختلفة تبدأ أَبواب المعرفة بالله؛ ومعرفة توحيده وَأَسماءه وصفاته وأَفعاله جلَّ قدسه ومعرفة سائر أَبواب ومباحث التَّوحيد تنفتق لديه شيئاً فشيئاً. الثَّاني: أَنَّ علم الفيزياء قديماً وحديثاً مُفيد لبحوث التَّوحيد، بل لبحوث مُطلق المعارف الإِلٰهيَّة؛ فإِنَّه لغةٌ علميَّةٌ. الثَّالث: أَنَّ علم الفيزياء: عبارة عن خواص الأَجسام أَو المواد